منوعات

د. ياسر ثابت يكتب : سائحات التوليب الهولندى

في المدينة الساحلية، هناك سائحاتٌ يغرق البحر في زُرقة عيونهن، يمنحن بسخاء ما تبخل به فتيات الحي، اللاتي لا يملكن أي رأس مالٍ سوى السذاجة.

تعج الأسواق والمطاعم والمقاهي الفخمة بفاتناتٍ لهن مذاقُ شوكولاتة فيينا وأناقة التوليب الهولندي، ممن يفقدن النبرة النحاسية اللاتي ينطقن بها، كلما سمعن كلمة «أحبُّكِ»، قبل أن يكتسب نمشُ بشرتهن الشهي والحسي لونًا ورديًا.

يجلسن في استرخاء، وعيونهن تبحث عن رجلٍ يكون مُكَهرَبًا ومُكهرِبًا، ينهي سكون بُحيرتهن الراكدة. بكمالٍ يصعب هدره وتبذيره، ومشداتٍ ناعمة المرونة، تتعدى جلستهن الماكرة نية الراحة إلى إيقاظ غرائز أجيالٍ من الرجال.

وحين تقع عينا الحسناء على صيدٍ ثمين تفوح منه رائحة القصب، ترسل إليه بريد جمالها بدهاء أنثوي، متجاهلةً حفنةً من الغرباء المتعجرفين على حافة اليأس من جذب اهتمامها. يمكن لأي نابهٍ أن يحدسَ مسبقًا بالقشعريرة التي ستحوِّل هذه السائحة إلى هلامٍ مُكهرب عندما تلتقي النظرات.

يعجز هدوؤه عن إخفاء السنوات التي تسكنُ شبقه. برغم حاجبيه القاسيين فإنه من الذين ترفرف روحهم على حافة عيونهم. رجلٌ حقيقي يحِبُّ رائحة الحرب، ويبدو كما لو أنه يحلق ذقنه يوميًا بشفرات آبائه. له هيئة فهدٍ متربص، ما يشي بأن إبرته الثقيلة بوسعها أن تجرح الأسطوانة برفقٍ يزيد من جمال نغمات الفونوغراف!
يضغط عازف البيانو بعصبية على لوحة المفاتيح، حتى يُفرط جمهور القاعة في الارتعاش.

يترنم الرجل مع اللحن بصوتٍ يعيد «باري وايت» إلى الحياة. بعيدًا عن أصحاب التصنّعات العذبة، يعد صوته الخشن بليلةٍ من المجون، تمزق سُرَّتها، قبل أن تُلقي بها كطعومٍ لأسماك المنشار.

تفتح الغريبة علبة المفاجآت، وتبدأ في الرقص، وهي ترمي اختيارها بنظراتٍ سريعة حتى يجاريها في جرأة الرقص.

تغرس خنجرها في ماء قلبه، وتخوض عاريةً في بحر شبابه. لا حاجة بها إلى ضحكةٍ ترتقُ نسمة الربيع، وهي تفكك أسرار فحولته وترسم تضاريس الاشتهاء.

وحين ينهض ويدنو منها بتوقيرٍ مقدَّس، تخطفه بقوامها المصقول إلى عالمٍ آخر.
القُبلة الأولى خدعة الزمن على شفتين ساهيتين في انتظار الجحيم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى